تحفة الأيام في فوائد دروس بلوغ المرام(14) الشيخ: سامي الصقير-
-عن عائشة-رضي الله عنها-قالت:قال رسول الله:"إني لا أحلّ المسجد لحائض ولا جُنُب".رواه أبو داود.وصححه ابن خزيمة.
إني لا أُحِلُّ:أي أُحرّم أو أمنع؛لأن نفيَ الحِلّ يستلزم الحُرمة.
لحائض:وهي مَن أصابها الحيض.
ولا جنب:وهو مَن وَجَبَ عليه الغسل إما بإنزال أو جماع.
قوله عليه الصلاة والسلام:"لحائض" بالتذكير،ولم يقل :"لحائضة"بتاء التأنيث،لماذا ؟
نقول:لأن الوصف إذا كان مما يختصّ بالأنثى،فإنه لا حاجة أن يُؤتى بتاء التأنيث،يُقال:امرأة حامل وامرأة حائض،ولا يُقال:امرأة حاملة وامرأة حائضة؛لأن هذا الوصف من خصائص النساء،لكن إذا كان الوصف لا يختصّ بالمرأة يشمل الرجل والمرأة،فإنه لا بدّ من الإتيان بتاء التأنيث،رأيت امرأة حاملة طفلها على رأسها،ما تقول:حامل؛لأن الحمل هنا ليس من خصائص الإناث،بل مشترك بينهما للإناث والذكور.
قوله عليه الصلاة والسلام:"لا أحلّ" أي:أحرّم،لكن هل التحريم هنا تحريم للأعيان أو تحريم لمنافع الأعيان؟
نقول:هو تحريم لمنفعة العين،وذلك لأن التحريم إذا أُضيف فإنه لا يُراد به تحريم الأعيان وإنما يُراد به تحريم منفعة العين،فمثلاً قوله تعالى:حرّمت عليكم أمهاتكمما المحرّم بالنسبة للأم؟هل الأم كلّها حرام،كلامها والجلوس معها؟! لا ،المراد هنا نكاحها،إذاً التحريم هنا هل هو تحريم لأعيان الأمهات أو لوصف فيها؟نقول:لوصف فيها.
فالمراد بالتحريم في الحديث هو:تحريم المنافع،أي منافع هذه الأعيان.
المسجد:يُقال:مسجِد ويُقال:مسجَد.
فالمسجِد:هو المكان الذي أُعِدّ للصلاة.
والمسجَد:هو موضع السجود.
والمسجد:هو المكان الذي أُعِدّ وهيّئ لإقامة الصلاة فيه.أي الصلوات كلها،أنا المكان الذي يُصلّى فيه فرض أو فرضان،فهذا ليس له حكم مسجد،بل يسمّى مصلّى.فالمصلّى لا يأخذ أحكام المساجد،فمثلاً الدوائر الحكومية والمدارس تعتبر مصلّى،أما المحطّات:بعضها مصليّات وبعضها مساجد.
فضابط المسجد:المكان الذي هيّىء لإقامة الصلوات فيه. يعني يُؤذّن فيه كل وقت وله إمام يصلّي فيه،أما الأماكن التي ما يصلّون فيها إلاّ مرّة أو مرتين في اليوم فهذا ليس بمسجد،فدخول الحائض والجُنُب إلى هذه المصليّات ومُكْثهما فيها ليس حراماً.
أما مصلّى العيد:حكمه حكم المسجد،ولهذا النبي-عليه الصلاة والسلام-قال:"ولتعتزل الحيّض المصلّى"فأعطاه عليه الصلاة والسلام بعض أحكام المساجد، ولهذا قال فقهاؤنا فقهاء الحنابلة في(المنتهى):{ومصلّى العيد مسجد،لا مصلّى الجنائز} ولهذا يجوز الاعتكاف فيه،لكن للمرأة فقط،أما الرجل فلا يجوز؛لأنه يُشترط في المكان الذي يعتكف فيه الرجل أن يكون هذا المكان تُقام فيه الجماعة. (وضابط المسجد في غير مصلّى العيد:هو المكان الذي تُقام فيه الصلوات، أما مصلّى العيد لولا ورود النصّ لقلنا:ليس مسجداً،لكن النبيلمّا أعطاه بعض أحكام المساجد دلّ على أنه له أحكام المساجد).(هذا في جوابه على الأسئلة).
ما ضابط ما يدخل فيه المسجد وما يخرج منه؟
نقول:كل ما أحاط بالمسجد أي بسور المسجد فهو منه،وما كان خارج سور المسجد فليس منه.
الفوائد:
1- تحريم لُبث الحائض والجُنُب في المسجد،لقوله عليه الصلاة والسلام:"إني لا أُحلّ المسجد لحائض ولا جنب".
لكن دلّت الأدلّة على أن الحائض والجنب يجوز لهما العبور،قال الله:ولا جُنُباً إلاّ عابري سبيلوهذا في الجنب،أما الحائض فقد ثبت في الحديث
الصحيح أن النبيقال لعائشة:"ناولِيني الخُمرة"فقالت:إني حائض،فقال عليه الصلاة والسلام:"إن حيضتكِ ليست في يدك".
* لكن هل العبور جائز سواء كان لحاجة أو لغير حاجة؟
ق1)ظاهر الآية:العموم سواء لحاجة أو لغير حاجة،وهذا هو مذهب الحنابلة-رحمهم الله-وهو الصواب.
ق2)وقال بعض العلماء:لا يعبر إلاّ لحاجة،وهذا مشَى عليه صاحب مختصر (المقنع) صاحب(زاد المستقنع)يقول:{ويعبر المسجد لحاجة}.
# لكن يُكره أن يُتّخذ المسجد طريقاً.
133- وعنها قالت:كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد،تختلف أيدينا فيه من الجنابة.متفق عليه،وزاد ابن حبان:"وتلتقي".
تختلف:بمعنى أنها تدخِل يدها،والنبي يرفع يده،أو هو يدخل يده وهي ترفع يدها.
وتلتقي:أي تتصادم.
الفوائد:
1-فيه دليل على التكنية أو التصريح بما يُستحيا من ذكره لنشر العلم.
2-جواز تعرّي الزوجين بعضهما مع بعض؛لأن النبي كان يغتسل هو وعائشة-رضي الله عنها-من إناء واحد،ومن لازم ذلك التعرِّي،وقد دلّ على ذلك قول الله تعالى:والذين هم لفروجهم حافظونإلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين.
3-غمسُ يد الجنُب في الإناء،فإنه لا يسلبه الطهورية،وإن كان قبل أن يغسلها ثلاثاً،خلافاً للفقهاء-رحمهم الله-فإنهم قالوا:من غمس يده في الإناء قبل غسل يديه ثلاثاً،فإنه يسلبه الطهورية،فيصبح طاهراً لا طهوراً.
4-بساطة النبي ؛لأنه لم يتكلّف ويغتسل في إناء مُستقِلّ،بل كان يغتسل هو وأم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها-من إناء واحد؛لأن هذا يُشعر ويُؤلّف بين الزوجين.
134- عن أبي هريرة قال:قال رسول الله :"إن تحت كلّ شعرة جنابة،فاغسلوا الشعر،وأنقوا البَشَر".رواه أبو داود والترمذي وضعَّفاه.
135-ولأحمد عن عائشةَ-رضي الله عنها-نحوُهُ،وفيه راوٍ مجهول.
تحت كل شعرة:سواء كان هذا الشعر شعر الرأس،أو شعر بقيّة البدن،فكل شعرة من البدن تحتها جنابة.
فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر:أيهما أبلَغ الإنقاء أم الغَسْل؟
الإنقاء أبلَغ، وإنما قال-عليه الصلاة والسلام-:"فاغسلوا الشعر،وأنقوا البشَر"لأن البَشَر يحتاج إلى إنقاء في بعض الأحيان،وذلك أن البشرة قد يكون عليها أوساخ أو دهون أو عرَق،فتحتاج إلى إنقاء أي مبالغة في الغَسل.
*هذا الحديث ضعيف مثل ما قال المؤلّف-رحمه الله-فيه راوٍ مجهول،من حيث السند ضعيف،ولكن معناه صحيح،دلّت النصوص على هذا المعنى من الكتاب والسنّة.
قال الله تعالى:وإن كنتم جُنُباً فاطّهرواوهذا يدلّ على أنه يجب تعميم البدن بالغَسْل.
وسبق لنا في حديث عائشة-رضي الله عنها-أن النبي كان يفيض الماء على سائر جسده،إذاً ما دلّ عليه الحديث من المعنى صحيح،لا من هذا الحديث لكن من نصوص أخرى.
هذا الحديث على تقدير صحّته،فيه فوائد:
1-في الحديث دليل على ما قال الفقهاء-رحمهم الله-:من أن الجنابة تَحِلّ جميع البدن،يعني يُوصَف جميع البدن بأنه جُنُب،وإذا حلّت الجنابة جميع البدن وَجَبَ غَسْلُ جميع البدن،وبهذا تُعْرَف الحكمة أن اللهأوجب في غسل الجنابة،أن يُغسَل جميع البدن،ما هي الحكمة؟قالوا إن الحكمة من ذلك:أن الإنسان إذا جامع أو إذا أنزل منيّ،فإن جميع بدنه تلذّذ بهذه الشهوة،ولهذا يَهْتَزّ جميع البدن،فكان من الحكمة أن يطهّر جميع البدن.ونظير ذلك:الزاني المُحصَن يُرْجَم حتى يموت.قال العلماء:أن جميع البدن بدنه تلذّذ بهذه الشهوة المحرّمة،فكان من الحكمة أن يصيبه الألم في جميع بدنه.
وبهذا انتهى هذا الباب،فالذي تلخّص لنا مما تقدّم من الأغسال،هي:
1- الجنابة. 2- الحيض. 3-إسلام الكافر. 4- الجمعة. 5- النفاس.
ما سِوى هذه الأغسال حكمها مستحبّ.
الجنابة: توجب أشياء،وتمنع من أشياء :
*توجب:الغسل.
* يُمنَع الجُنُب من أشياء:
1)من كلّ شيء تُشترط له الطهارة،مثل:
- الصلاة.
- مسّ المصحف.
- الطواف،عند جمهور العلماء.
2)قراءة القرآن،ونخصّ ذلك؛لأن مَن حدثه أصغر لا يُمنَع من قراءة القرآن،يجوز له القراءة بدون مسّ.
3)الُّلبث في المسجد بغير وضوء .
الحائض:تُمنَع من أشياء وتوجِب أشياء:
*تمنع من الأشياء التي يُمنع منه الجُنُب،وهي الثلاثة السابقة:
1)كلّ ما تُشترط له الطهارة. 2)قراءة القرآن. 3)اللبث في المسجد مطلقاً.
وتوجد أشياء تمنع منها أيضاً:
4)الوطء. 5)الصيام. 6)الاعتكاف.
7)الطلاق،فيحرم طلاق الحائض،قال تعالى:يا أيها النبي إذا طلّقتم النساء فطلّقوهن لعدتهنّ.
لكن يُستثنى من تحريم طلاق الحائض مسائل يجوز فيها طلاق الحائض،في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: إذا كان الطلاق قبل الدخول والخلوة.
مثال:رجل تزوّج امرأة،عَقَدَ عليها ولم يدخل بها ولم يَخْلُ بها،وطلّقها وهي حائض،فإن الطلاق يقع،وأنه طلاق سنّة ولا يوصَف بأنه بدعة؛لأنه لا عِدّة عليها،قال الله تبارك وتعالى:يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدونها.
المسألة الثانية: إذا كانت الحائض حاملاً ،وهذا نادر.
إذا كانت حاملاً وهي حائض جاز الطلاق؛لأنها حينئذٍ تعتدّ بوضع الحمل،لا بالحيض،قال تعالى:وأُولات الأحمال أجلُهُنّ أن يضعن حملهنّوجاز الطلاق في هذه المسألة؛لأن الحمل يقضي على الحيض،ولهذا الحامل تُسمّى عند العلماء(أمّ المعتدات)أو(أم العِدَد)لأن عدّة الحمل تقضي على كلّ عدّة،وحيض الحامل نادر قليل،ولهذا قال الإمام أحمد-رحمه الله-:"إنما تَعْرِف النساء الحمل بانقطاع الحيض".
المسألة الثالثة: إذا كان الطلاق على عِوَض.
يجوز للإنسان أن يطلّق امرأته على عِوَض وهي حائض وهو(الخُلع).مثال:لو أن امرأة حصل بينها وبين زوجها شِقاق ونزاع،فطلبت منه الطلاق،فقال:لا أُطلقكِ إلاّ بدراهِم،أو ابذلِي دراهم وأطلقكِ،فبذلت دراهم وطلّقها،فهذا الطلاق يصحّ،ولا يكون طلاق؛لأنه فسخ،حتى ولو كان حال الحيض،لما ثبت في الصحيحين من حديث امرأة ثابت بن قيس،فقالت يا رسول الله:إني لا أعيب عليه في خُلُق ولا دين،ولكنِّي أكره الكفر في الإسلام(الكفر هنا هو كفر العشير)فقال النبي :"أتردّين عليه حديقته؟"قالت:نعم،قال:"اقبل الحديقة،وطلّقها تطليقة".هنا لم يستفصِل-عليه الصلاة والسلام-هل كانت حائضاً أو غير حائض.
*الحيض يوجب أشياء:
1)الغُسُل.
2)البلوغ؛لأن الحيض يحصل به البلوغ.
3)الاعتداد بالحِيَض،أنها تصير من ذوات الحيض لا بالأشهر؛لأنها قبل أن تحيض عدتها بالأشهر.وهذا ما لم تكن عدتها عدة وفاة؛لأنها إن كانت
عدّة وفاة فعدّتها بالأشهر سواء كانت حائضاً أو لم تكن حائضاً؛لقوله تعالى:والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهنّ أربعة
أشهر وعشراً.
يتبع....